تتلاقي أرواح الأحياء مع بعضهم البعض ، وتتلاقي أرواح الأموات مع بعضهم البعض ، وتتلاقي أرواح الأحياء مع أرواح الأموات .
-أرواح الأموات تتلاقي مع بعضهم البعض وتتزاور :
يقول رسول الله القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، وعليه تقسم الأرواح كما قسمها ابن القيم : الأرواح قسمان
1-قسم معذب
2 -قسم منعم
الأرواح المعذبة : في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي ، وقد يعذب الإنسان في القبر ابتداءً لمعاصي ارتكبها في الدنيا ثم يعفو الله عنه ويدخل في جملة الأرواح المنعمة .
الأرواح المنعمة : وهي المرسلة تتلاقي وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وتعرف ما يكون من أهل الدنيا ،
فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو علي مثل حالها ، وهذه المعية في الدنيا تكون بتلاقي الأرواح المتشابهة وتآلفها وفي البرزخ ويوم القيامة تكون أوضح يقول رسول الله يحشر المرء مع من أحب ، ويقول تعالي وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقا ً النساء69 ،
قال ابن أبي الدنيا :-
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيغ ، أخبرني فضيل بن سلمان النميري ، حدثني يحيي بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال : لما مات بشر بن البراء بن معرور وجدت عليه أمه وجداً شديداً ( أي حزنت عليه حزناً شديداً ) ، فقالت يا رسول الله : إنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمه ، فهل تتعارف الموتى فأرسل إلي بشر السلام ؟
فقال رسول الله نعم والذي نفسي بيده يا أم بشر إنهم ليتعارفون كما تتعارف الطير في رؤوس الشجر
- أرواح الأحياء تتلاقي في الدنيا مع بعضهم البعض .
ويأخذ ذلك عدة صور منها :-
1- ظاهرة الاستشعار عن بعد : ويحدث ذلك في اليقظة كما حدث لعمر ابن الخطاب في واقعة حارثة يعتمد ذلك علي شفافية الإنسان ومدي تعلقه بالمادة والدنيا ، وهو يحصل لبعض الناس لكي يعرفوا أن هناك إدراك خارج نطاق الحس فهو وإن كان يري بعينية يقظة ما يحدث في مكان آخر لكنه خارج نطاق الحس فللعين والأذن مدي تعمل في نطاقه ، وأحياناً يخطر ببالك شخص وتجده أمامك ، وأحياناً يشعر الإنسان بما يحدث لمن أحبه وتعلق به رغم بعد المسافات ، فقد تتعلق روحان ببعضهما أيما تعلق وتشتد علاقة احدهما بالأخرى فيشعر كل منهما ببعض ما يحدث للآخر وإن لم يشعر بما يحدث لغيره وخاصة الأم قد تشعر بما يحدث لأولادها وإن كانوا في أطراف الأرض ، وكذلك التوائم المتماثلة لشدة تعلقهم ببعض لإحساس الواحد منهم بأن هناك من يشبهه في الخلقة تماماً ، إلا أنهم روحين مستقلين منفصلين عن بعضهم تماماً لكن نظراً لتوحدهم في فصيلة الدم يفترض تشابههم في الطباع والسلوك كأي شخصين متفقين في فصيلة الدم ، والزيادة تكون في تشابه الخلقة ورابطة الأخوة ، لكن لا ينفي هذا دخول الشيطان بينهم وأمراض النفس البشرية إذا تحقق لأحدهم مكاسب دنيوية أكثر من الآخر .
وتتلاقي أرواح الأحياء أثناء النوم فقد يري الإنسان ما يحدث لمن تعلق به وأحبه ويتأكد ذلك فيما بعد ، ( وقال ابن القيم ) فمن العجب أن الأرواح المتحابة تتلاقي وبينها أعظم المسافات فتتألم وتتعارف فيعرف بعضها بعض كأنه جليسه فإذا رآه طابق ذلك ما كان عرفته روحه قبل رؤيته .
2-ومنها تلاقي أرواح الأحياء عند أول لقاء لها والتي تؤدي إلي ألفة الناس أو اختلافهم وعليه تأتي الراحة النفسية من عدمها بين الناس وما يترتب عليه من الاختيار في الصداقة وأيضاً في الزواج وعن ذلك يقول رسول الله ﴿ إن الأرواح جنود مجنده تلتقي في الهواء فتتشام كتشام الخيل فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ﴾
و قال (عبد الله ابن عمر) إن أرواح المؤمنين تتلاقي علي مسيرة يوم وما رأي أحدهما صاحبه قط ورفعه بعضهم إلي النبي .
-تلاقي أرواح الأحياء مع أرواح الأموات :
ومثالها الرؤى والأحلام ، قال تعالي : ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الزمر42
قال أبو عبد الله بن مندة ، عن ابن عباس في معني هذه الآية قال : بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلي أجسادها .
وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن ألسدي قوله : إن الله يتوفي أرواح الأحياء في حال النوم فيلتقي روح الحي وروح الميت فيتذاكران ويتعارفان وترجع روح الحي إلي جسده في الدنيا لاستكمال أجله .
والمعنيين صحيحين ويكمل بعضهم البعض فأرواح الأحياء والأموات تتلاقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء التي لم تستكمل أجلها إلي أجسادها ، أما أرواح الأحياء التي انتهي أجلها أثناء نومها يمسكها سبحانه وتعالي عنده أيضاً وينتقل الإنسان من الموت الأصغر إلي الموت الأكبر .
والمعني أن الوفاة تطلق علي النوم كما تطلق علي الموت ، لذلك لما قال تعالي لسيدنا عيسي إني متوفيك إلي ورافعك كانت هذه الوفاة هي وفاة صغري وليست كبري فسينزل عليه السلام مرة أخري إلي الأرض آخر الزمان ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ آل عمران55
لذلك كان النوم وفاة لأن فيه عروج للروح إلي الملاء الأعلى ، ففي حال النوم يخرج الإنسان من نطاق الزمان والمكان وتكون القوانين والمقاييس مختلفة عن قوانين ومقاييس المادة فتري الروح تقطع المسافات في ثواني معدودة وتخترق حاجز الزمن والمكان وتعود إلي الجسد عند الاستيقاظ في لمح البصر وهي المسئولة عن الوعي والإدراك والأفعال الإرادية في الإنسان والتي غابت أثناء النوم وظلت الأفعال التي ليس فيها إرادة .
فالأرواح المؤمنة تخترق عالم الملكوت وتدخل السماوات والطاهرة منها يؤذن لها بالسجود تحت عرش الرحمن كل ذلك والإنسان لا يدرك من ذلك شيئ ، إلا أنه قد يري ويسمع ويشاهد بلا عين ولا أذن وما رآه في عالم الملكوت السماوات هو الحق ومنها الرؤى الصالحة الصادقة ، والأرواح الشريرة لا تدخل عالم الملكوت ولكن تتلقاها الشياطين في الهواء فتكذبها ومنها الرؤى الكاذبة وهي رؤى التخويف والتحزين والتي هي من الشياطين .
وكلما كانت شفافية الإنسان عالية رأي مشاهد وأحداث بالغة الدقة فأصدق الناس حديثاً أصدقهم رؤية ، والعكس صحيح فتأتي المشاهد الضبابية والمتداخلة .
ولما سأل أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب علي ابن أبي طالب عن سبب صدق الرؤية وكذبها ، قال له : نعم سمعت رسول الله يقول :
﴿ ما من عبد ينام يتملى نوماً إلا عرج بروحه إلى العرش فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق ، والذي يستيقظ دون العرش فهي التي تكذب ﴾.
وظل عمر بن الخطاب يعجب من كلام على فقال على بن أبى طالب له حين عجب لرؤيا الرجل لم تخطر له على بال يا أمير المؤمنين يقول الله عز وجل ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الزمر42
فالأرواح يعرج بها في منامها فما رأت وهى في السماء فهو الحق ، فإذا ردت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها فما رأت من ذلك فهو الباطل .
-وعن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر الخضرمي قال : قال عمر بن الخطاب عجبت لرؤيا الرجل يري الشئ لم يخطر له علي بال فيكون كآخذ بيد ويري الشئ فلا يكون شيئاً ، فقال علي بن أبي طالب يا أمير المؤمنين يقول الله عز وجل ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الزمر42
الأرواح يعرج بها في منامها فما رأت وهي في السماء فهو الحق فإذا ردت إلي أجسادها تلقتها الشياطين فكذبتها فما رأت من ذلك فهو الباطل ، فجعل عمر يتعجب من قول علي ، قال ابن منده هذا خبر مشهور عن صفوان بن عمرو وغيره وروي عن أبي الدرداء .
-وذكر الطبراني من حديث على بن أبى طلحه أن عبد الله بن عباس قال لعمر بن الخطاب :- يا أمير المؤمنين أشياء أسألك عنها ، فقال : سل ما شئت ، قال يا أمير المؤمنين مم يذكر الرجل ومم ينسى ؟
ومم تصدق الرؤيا ومم تكذب ؟
فقال عمر بن الخطاب :- إن على القلب ضخاوة كضخاوة القمر إذا تغشت القلب نسي بن آدم فإذا انجلت ذكر ما كان نسي .
وأما مم تصدق الرؤيا ومم تكذب ؟ فإن الله عز وجل يقول ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الزمر42
فمن دخل منها في ملكوت السموات فهي التي تصدق وما كان منها دون الملكوت فتلك التي تكذب .
قال ابن القيم : الحي يري الميت في منامة فيستخبره فيخبره الميت بما لا يعلم الحي فيجد خبره كما أخبر في الماضي والمستقبل وربما أخبره بمال دفنه في مكان لم يعلم به سواه وربما أخبره بدين عليه وذكر له شواهده وأدلته وأبلغ من هذا قد يخبره بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين وقصة الصعب ابن جثامة وقيس ابن ثابت فيهما ما يؤكد هذا المعني .
أما قصة شبيب ابن شيبة التي ذكرها ابن القيم : قال أوصتني أمي عند موتها فقالت يا بني إذا دفنتني فقم عند قبري وقل يا أم شبيب قولي لا إله إلا الله ، فلما دفنتها قمت عند قبرها فقلت يا أم شبيب قولي لا إله إلا الله ثم انصرفت ، فلما كان من الليل رأيتها في النوم فقالت يا بني كدت أن أهلك لولا أن تداركتني لا إله إلا الله فقد حفظت وصيتي يا بني .
وذكر ابن أبي الدنيا عن تماضر بنت سهل زوجة أيوب ابن عيينة قالت : رأيت سفيان ابن عيينة في النوم فقال جزي الله أخي أيوب عني خيراً فإنه يزورني كثيراً وقد كان عندي اليوم ، فقال أيوب نعم حضرت الجبان اليوم فذهبت إلي قبره .
وذكر ابن القيم : أن سعيد ابن المسيب قال : التقي عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي فقال أحدهما للآخر إن مت قبلي فالقني فأخبرني ما لقيت من ربك وإن أنا مت لقيتك فأخبرك ، فقال وهل تلتقي أرواح الأموات والأحياء ؟ قال نعم أرواحهم في الجنة تذهب حيث شاءت ، فمات أحدهما قبل الآخر ورآه فقال له توكل وأبشر فلم أر مثل التوكل قط .
- وقال العباس ابن عبد المطلب كنت أشتهي أن أري عمر في المنام فما رأيته إلا عند قرب الحول فرأيته يمسح العرق عن جبينه وهو يقول هذا أوان فراغي أن كاد عرشي ليهد لولا أن لقيت رؤوفاً رحيماً .
- قال سعيد بن أبي عروبة : أن عمر بن عبد العزيز قال : رأيت رسول الله وأبو بكر وعمر جالسان عنده فسلمت وجلست وبينما أنا جالس إذ أتي بعلي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان فأدخلا بيتاً واجيف عليها الباب وأنا أنظر ، فما كان من أن خرج علي وهو يقول قضي لي ورب الكعبة ، وما كان بأسرع من أن خرج معاوية علي أثره وهو يقول غفر لي ورب الكعبة .
- قال مزاحم مولي عمر بن عبد العزيز : أن فاطمة بنت عبد الملك زوجة عمر بن عبد العزيز قالت : انتبه عمر بن عبد العزيز ليلة فقال لها لقد رأيت رؤيا معجبة ، فقال جعلت فداءك فأخبرني بها ، فقال ما كنت لأخبرك بها حتى أصبح فلما طلع الفجر خرج فصلي ثم عاد إلي مجلسه ، قالت فاغتنمت خلوته فقلت أخبرني بالرؤيا التي رأيت ، قال رأيت كأني رفعت إلي أرض خضراء واسعة وإذا فيها قصر أبيض كأنه الفضة وإذا بخارج قد خرج من القصر فهتف بأعلى صوته أين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ؟ أين رسول الله ؟ إذ أقبل رسول الله حتى دخل هذا القصر ، ثم خرج آخر من هذا القصر فنادي أين أبو بكر الصديق ؟ أين بن أبي قحافة ؟ إذ أقبل أبو بكر حتى دخل القصر ، ثم خرج آخر فنادي أين عمر بن الخطاب ؟ فأقبل عمر بن الخطاب حتى دخل القصر ، ثم خرج آخر فنادي أين عثمان بن عفان ؟ فأقبل حتى دخل القصر ، ثم خرج آخر فنادي أين علي بن أبي طالب ؟ فأقبل حتى دخل القصر ، ثم خرج آخر فنادي أين عمر بن عبد العزيز ؟ قال عمر فقمت حتى دخلت القصر ودفعت إلي رسول الله والقوم حوله فقلت بيني وبين نفسي أين أجلس ؟ فجلست إلي جنب عمر بن الخطاب فنظرت فإذا أبو بكر عن يمين النبي وإذا عمر عن يساره فتأملت فإذا بين رسول الله وبين أبي بكر رجل ، فقلت من هذا الرجل الذي بين رسول الله وأبي بكر ؟ فقيل هذا عيسي بن مريم ، فسمعت هاتفاً يهتف وبيني وبينه ستر نور يا عمر بن عبد العزيز تمسك بما أنت عليه واثبت علي ما أنت عليه ثم كأنه أذن لي في الخروج فخرجت من ذلك القصر ، فالتفت حولي فإذا أن بعثمان بن عفان وهو خارج من ذلك القصر يقول الحمد لله الذي نصرني ، وإذا بعلي يخرج في أثره وهو يقول الحمد الذي غفر لي .
- وقال عبد الله ابن عمر ابن عبد العزيز : رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة فدفع إلي تفاحات فأولتهن الولد ، فقلت أي الأعمال وجدت أفضل ؟ قال الاستغفار يا بني .
- ورأي مسلمة بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز بعد موته فقال يا أمير المؤمنين إلي أي الحالات صرت بعد الموت ؟ قال يا مسلمة هذا أوان فراغي والله ما استرحت إلا الآن ، قال قلت يا أمير المؤمنين أين أنت الآن ؟ قال مع أئمة الهدي في جنة عدن .
ومجمل وصايا الصالحين الذين رؤوا في المنام للأحياء ( من كتاب الروح لأبن القيم ) :-
الاستغفار ، التواضع ، التوكل علي الله وقصر الأمل وطول الحزن ، حسن الظن بالله عز وجل ، حضور مجالس الذكر ، قيام الليل والبكاء من خشية الله ، الورع وهو اتقاء الشبهات ، وأفضل الأعمال ما أريد به وجه الله عز وجل ، وألا يبالي الإنسان علي أي حال أصبح أو أمسي من الدنيا ، كثرة الذكر ، وقال أحدهم تسبيحه أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة العمل خير من الدنيا وما فيها .
والخلاصة :
أرواح الأموات تتلاقي وتتزاور مع بعضهم البعض في البرزخ ، وأرواح الأحياء تتلاقي مع بعضهم البعض في اليقظة والنوم ، وأرواح الأحياء تتلاقي مع أرواح الأموات في النوم ، قال بعض السلف : وكل الله بالرؤيا الصادقة ملكاً تأتيه نسخة من علم الغيب من أم الكتاب بما هو مصيب الإنسان من خير ومن شر في دينه ودنياه ويضرب له فيها الأمثال فتارة يبشره بخير أمامه وتارة ينذره من معصية ارتكبها ولم يتب منها أو هم بها ويحذره من مكروه انعقدت أسبابه ليعارض تلك الأسباب بأسباب تدفعها ، ولغير ذلك من الحكم والمصالح التي جعلها الله في الرؤيا نعمة منه ورحمة وإحساناً وتذكيراً وتعريفاً وجعل أحد تلك الطرق تلاقي الأرواح وتذاكرها وتعارفها ، وكم ممن كانت توبته وصلاحه عن منام رآه أو رئي له .
..............................................................................................................
قال القرطبي رحمه الله ( الروح من الأشياء التي لها أول وليس لها آخر ) ، فهي خلقت للبقاء والخلود .
يقول تعالي ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ البقرة28 ، من الآية الخلق هو الإيجاد من العدم وفي هذا حياة بعد موت ، ثم موت في الدنيا يعقبه حياة وبعث ونشور يوم القيامة ، والإنسان يزوق مرارة الموت مرة واحدة ولا موت بعده ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ الدخان56 ، إلا ما كان لحكمة وآية من الله كقتيل بني إسرائيل وكالذي مر علي قرية وهي خاوية علي عروشها فقال أن يحيي الله هذه بعد موتها فأماته الله ثم بعثه .
وصعق الأرواح يوم القيامة عند النفخ في الصور لا يعني موتاً فتصير عدماً وإنما تكون للأرواح صعقة غشي فقد ذاقت طعم وكربة الموت عند انفصالها عن البدن في آخر عهدها بالدنيا .
أما ما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله قال :
﴿ إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسي آخذ بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور ﴾ ، فالظاهر من الحديث أنها صعقة غشي وهي لجميع الخلائق وليس صعقة الموت الحادثة عند النفخ في الصور ولو كانت هذا الصعق موتاً لكانت موته أخري ، وإنما هي صعقة تغشي الخلائق يوم القيامة عندما يأتي الله تبارك وتعالي لفصل القضاء ، لذلك تردد رسول الله فيها هل صعق موسي عليه السلام كبقية الخلق بما فيهم هو أم جوزي بصعقة يوم الطور يوم تجلي الرب سبحانه للجبل فجعله دكاً وخر موسي صعقاً ، أما الحديث الآخر والذي عند الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري والذي فيه قوله ﴿ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ﴾ .
قال ابن القيم : أدخل الراوي هذا الحديث في الحديث الآخر وكان شيخنا أبو الحجاج الحافظ ( جمال الدين المزي محدث الشام ) يقول ذلك ، وعليه جاء اللفظ المتداخل الآتي ( إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسي آخذ بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثني الله عز وجل ) ، والمستثنون من صعقة النفخة والتي منها تموت كل الخلائق التي لم تذق الموت إلا من شاء الله ، ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ الزمر68 وقيل هم أرواح الشهداء وهذا قول أبي هريرة وابن عباس وسعيد ابن جبير ، وقال مقاتل وغيره هم جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت والصحيح قول مقاتل لأن من استثني من الموت بالنفخة مات بعد ذلك إلي أن يبقي ملك الموت ويتولي الجبار قبضه حتي يكون الله ولا شيئ معه ويفني كل شيئ ولا يبقي إلا وجهه تبارك وتعالي ويعيد الله الخلق من جديد فيحيي هؤلاء الملائكة من جديد ويتولي اسرافيل نفخة البعث والنشور بعد أن بعثة الملك من جديد ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ الأنبياء104 .
ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة يوم يأتي الجبار لفصل الحساب فتصعق الخلائق جميعاً ويكون رسول الله فيمن يصعق وعندما يفيق يجد موسي آخذ بقائمة العرش ولا يدري رسول الله أصعق وأفاق قبله أم أنه لم يصعق أصلاً وجوزي بصعقة يوم الطور ، والرايات الصحيحة تواطأت من قوله ( فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ) فظن بعض الرواة أن هذه الصعقة هي صعقة النفخة وأن موسي داخل فيمن استثني منها وهذا لا يصح وعليه فقد اعتقد بعض الناس أن موسي مازال حياً وهذا غير صحيح فاستثناء موسي إنما من صعقة الغشية عند تجلي الرب تبارك وتعالي للخلائق للحساب .
قال ابن القيم ولو لم يكن في هذه المسألة إلا كشف شأن هذا الحديث لكان حقيقاً أن يعض عليه بالنواجذ فتأمل هذا المعني العظيم .
والأرواح خلقها الله للبقاء وتنتقل من حال إلي حال إلي المستقر الأخير يوم القيامة في الجنة أو النار ، كانت عدماً ثم أوجدها الخالق تبارك وتعالي وأودعها سمائه الدنيا إلي أن يأتي موعد خروجها إلي الحياة والوجود في الدنيا ثم تصير إلي مستودعها في البرزخ إلي أن ترد في أجسادها مرة أخري ويكون الخلود الأبدي في الجنة أو في النار أعاذني الله منها ، فالأرواح التي خلقها الله سبحانه وتعالي أودعها السماء الدنيا وهي التي رآها نبينا في رحلة المعراج أرواح السعداء علي يمين آدم عليه السلام وكلما نظر إليهم سر وفرح وأرواح الأشقياء علي يساره كلما نظر إليهم حزن وأغتم ، ومعلوم أن أرواح التعساء والأشقياء بعد الموت لا تفتح لها أبواب السماوات ولا يلجون عالم الملكوت ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ومستقرهم بعد الموت ومفارقة الدنيا بعد أن تقوم الحجة عليهم هو في سجين في الأرض السابعة تحت خد إبليس اللعين كما سيأتي فيما بعد .
فالموت هو مفارقة الروح للجسد حيث يبلي الجسد ويتحلل إلا عجب الذنب فمنه يركب الجسد يوم القيامة ، والجسد وإن فني بمعني تحلل وغاب عن الأبصار وعاد إلي الأرض التي منها خلق فإن مادته تظل موجودة ولا تفني بمعني تصير إلي العدم ، فالجسد من المادة وقانون بقاء المادة ينطبق عليه حيث لا تفني لكن تتغير الهيئة ويدخل في دورة الكون والكائنات الأخرى والله علي جمعه يوم القيامة قدير وعن ذلك يقول رب العزة ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ ق4 .
أما المادة في قانون الخالق فإنه يستحدثها من العدم وهذا هو الفرق الجوهري بين خلق الله وخلق البشر فتبارك الله أحسن الخالقين ، فالخلق هو الإيجاد من العدم علي غير مثال سبق وهذا للخالق تبارك وتعالي ، أما خلق البشر فهو إيجاد من موجود ومحاكاة لله تبارك وتعالي في خلقه ( الابتكار والتصنيع وهو بعلم الله ومشيئته وتوفيقه ) فإن نظرت إلي ما توصل إليه علم البشر تجده محاكاة لله في خلقه ومصدر علمهم وابتكارهم هو تدقيقهم في المخلوقات ومحاولة تقليدها ، انظر إلي الطائر والطائرة إلي الغواصة والسمكة ، انظر إلي الإنسان والإنسان الآلي ولاحظ الفرق بين مخلوقات الله ومصنوعات البشر وانظر تأثير الحياة والروح لتجد المحاولة اليائسة من البشر .
والجسد وإن غاب عن الأبصار وتغيرت هيئته تظل الروح مشرفة عليه وعلي اتصال به ويصله من عذابها ونعيمها بكيفية لا يعرفها إلا الله ، فعذاب القبر ونعيمة هو للروح وللجسد بالتبعية كما أن عذاب الدنيا ونعيمها للجسد وللروح بالتبعية فعذاب القبر ونعيمة هو للجسد والبدن علي السواء وهو ما عليه إجماع أهل السنة ، ففي الدنيا الجسد ظاهر والروح مخفية وفي البرزخ الروح ظاهرة والجسد خفي وقانون الدنيا لا ينطبق علي قانون البرزخ ولا الآخرة فلكل دار منها قوانينها التي لا يعلمها إلا الله وما وصلنا من أخبار في الكتاب والسنة هو لتقريب المعني والمفهوم لكن لا يصح الحكم بما نعرف من قوانين المادة .
والروح في البرزخ تكون ظاهرة وتأخذ شكل القالب وهو الجسد في الدنيا وتأتي إلينا في الرؤى والأحلام .
...................................................................................................
- بمعني هل هي قديمة قدم الله تبارك وتعالي ومن ذاته العلية أم هي خلق من خلقه كالملائكة والجن ؟ ، هل معني إخباره تعالي أنه نفخ الروح في آدم بعد أن سوي جسده بيديه ، هل هذا يعني قدم الروح ؟
يقول ابن القيم رحمه الله :
هذه المسألة زل فيها عالم كثير من بني البشر ، أجمعت الرسل عليهم الصلاة والسلام علي أن الروح محدثة مخلوقة مدبرة فقيرة في ذاتها إلي خالقها ، لا يمكنها أن تهتدي لمصالحها لولا هداية خالقها لها بما أودعه فيها من غرائز يهديها لذلك ، هذا هو المعلوم من الدين بالضرورة كما يعلم من الدين بالضرورة أن الله هو الخالق وكل ما سواه مخلوق وظن بعض الناس أنها من ذات الله وخص بعضهم منها أرواح القدس .
-قال حافظ أصبهان عبد الله بن منده :
قالت طائفة الأرواح كلها مخلوقة وهذا مذهب أهل السنة والجماعة والأثر فالله فالق الحبة وبارئ النسمة أي خالق الروح ، وقالت طائفة أخري الروح من أمر الله أخفي حقيقتها وعلمها عن الخلق واحتجوا بقوله تعالي ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ الإسراء85
وقالت طائفة أخري الأرواح نور من نور الله وحياة من حياته واحتجوا بقوله ( إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقي عليهم من نوره ) .
-وقال محمد بن نصر المروزي :
تأول صنف من الزنادقة وصنف من الروافض في روح آدم ما تأولته النصارى في روح عيسي عليه السلام وما تأوله قوم من أن الروح انفصل من ذات الله فصار في المؤمن ، فعبد صنف من النصارى عيسي ومريم جميعاً لأن عيسي عندهم روح من الله صار في مريم فهو غير مخلوق عندهم ، وقال صنف من الروافض والزنادقة أن روح آدم مثل ذلك أي أنها غير مخلوقة وتأولوا قوله تعالي ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ الحجر29 ، وقوله تعالي ﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ﴾ السجدة9
فزعموا أن روح آدم ليس بمخلوق كما تأول من قال ان النور من الرب غير مخلوق قالوا ثم صار بعد آدم في الوصي بعده ثم هو في كل نبي ووصي إلي أن صار في علي ثم في الحسن والحسين ثم في كل وصي وإمام فهو يعلم كل شيئ ولا يحتاج أن يتعلم من أحد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : روح الآدمي مخلوقة مبدعة باتفاق سلف الأمة وسائر أهل السنة .
ابن القيم : المضاف إلي الذات الإلهية من الأعيان نوعان إضافة عامة تقتضي الإيجاد ، وإضافة خاصة تقتضي الاختيار والتخصيص والتشريف ، قال تعالي ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ القصص68 ، وإضافة روح آدم وعيسي عليهم السلام إلي الذات الإلهية هو من نوع الإضافة الخاصة التي تعني التشريف ، (كما حدث مع آدم ) فقد أخبر تبارك وتعالي أنه خلق آدم بيديه وتولي نفخ الروح فيه ونسب الروح لذاته تبارك وتعالي وهو نسب تشريف وتخصيص ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ كل ذلك تشريفاً لآدم ولهذا جاء في الحديث الصحيح في قوله ( فيأتون آدم فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيئ ) ، فأخبر الحديث بخصائص لآدم اختص بها عن غيره ، ولو كانت الروح التي نفخت فيه من نفخة الملك لم يكن له خصيصة لذلك فدل علي أن الله تبارك وتعالي هو الذي تولي نفخ الروح في آدم بعد أن سوي جسده بيده .
ومن هنا كان هو وذريته هم أرقي المخلوقات علي وجه الأرض وهم المؤهلون لحمل الأمانة ، ومن هنا جاءت المواصفات البشرية الخاصة وتكريم بني آدم ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ الإسراء70 ،
- أما إضافة روح عيسي إلي الله تبارك وتعالي في قوله تعالي ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ﴾ النساء171
أي أن الله سبحانه وتعالي خلق عيسي عليه السلام بكلمة كن فكان الروح فيه بأمر الله ، فعيسي عليه السلام بالكلمة كان وليس هو الكلمة ومعني وروح منه أي من أمره ، كقوله تعالي : ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ الجاثية13 ، أي من أمره .
- أما معني قوله عن عيسي عليه السلام أنه روح الله فهذه إضافة خاصة من إضافة الأعيان إلي الذات الإلهية تقتضي التشريف والتخصيص كما سبق ، كعبد الله وبيت الله كما أضاف الله تبارك وتعالي الملك الذي أرسله إليها لنفخ الروح في جنينها إلي ذاته أيضاً فقال تعالي ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17 ) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً (19) ﴾ مريم ،
وقال تعالي ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء91 ، ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ التحريم12
فإضافة الملك الذي أرسله تبارك وتعالي إلي الذات الإلهية وهو عبده ورسوله هي من نوع الإضافة الخاصة ، وأخبر تبارك وتعالي أنه أرسل إليها الملك فنفخ في فرجها ، فصار النفخ مضافاً إلي الله تبارك وتعالي أمراً وإذناً ومشيئة وإلي الرسول وهو الملك مباشرة وتنفيذاً وامتثالاً
- والأدلة كثيرة في الكتاب والسنة النبوية المطهرة علي خلق الروح وأنها مربوبة ومحدثة ومدبرة منها : قال تعالي ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ الزمر62 ، فكل ما دون الله بذاته وصفاته هو خلق من خلقه مفتقر إليه والروح خلق من خلقه كالملائكة والجن ، فالروح ليست من ذاته ولا صفة من صفاته تبارك ونعالي ، وقال تعالي لزكريا عليه السلام ﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ﴾ مريم9 ، والخطاب هنا للجسد والروح وليس للجسد فقط فالجسد وحده لا يفهم ولا يعقل ولا يخاطب إنما الذي يفهم ويعقل ويخاطب هو الروح فالإنسان حسداً وروحاً خلق من العدم ويؤكد ذلك قوله تعالي ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ﴾ الإنسان1 ، وثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين أن أهل اليمن قالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسأل عن أول هذا الأمر فقال ﴿ كان الله ولم يكن شيئاً غيره وكان عرشه علي الماء وكتب في الذكر كل شيئ ﴾ ، فلم يكن هناك إنس ولا جن ولا ملائكة فهو سبحانه الأول وهو الآخر ولا يشاركه في هذا أحد .
- وأوصاف الروح تدل علي أنها مخلوقة مدبرة فقيرة عائذة بخالقها فهي توصف بالإمساك والإرسال توصف بالقبض والبسط والوفاة وهذا شأن كل مخلوق مربوب محدث ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه قال : سرنا مع رسول الله في سفر ذات ليلة فقلنا يا رسول الله لو عرست بنا ، فقال إني أخاف أن تناموا فمن يوقظنا للصلاة ؟ فقال بلال أنا يا رسول الله فعرس بالقوم فاضجعوا واستند بلال إلي راحلته فغلبته عيناه ، فاستيقظ رسول الله وقد طلع جانب الشمس فقال يا بلال أين ما قلت لنا ؟ فقال والذي بعثك بالحق ما ألقيت علي نومة مثلها ، فقال رسول الله ﴿ إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء ﴾ ، وكان رسول الله يقول عند النوم : ﴿ اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها فإن أمسكتها فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ﴾
- فروح الإنسان يتوفاها الله عند الموت وعند النوم فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل إلأخري لتستكمل أجلها ، هذه الروح المطمئنة وهي روح المؤمن التي يجلس ملك الموت عند رأس صاحبها ويخرجها من بدنه ويكون لها رائحة المسك وتكفن بكفن من الجنة ويصلي عليها كل ملك بين السماء والأرض ويستفتح لها أبواب السماء وتعرض علي خالقها وتدخل الجنة ويعرض عليها مكانها وتوضع في أجواف طير خضر وتأكل وتشرب من ثمار الجنة هذه الروح التي تنعم وتسعد وترسل وتفرح ، هذه الروح الغليظة الأمارة بالسوء والتي تخرج من جسد الفاجر كأنتن ريح جيفة وجدت علي الأرض هذه الجيفة التي خرجت من قبرها وهو البدن الخبيث التي كانت فيه فكانت منتنة وهي فيه وهي خارجه وهذا حال الفجار والكفار والمنافقين والمشركين فهم موتي القلوب والأرواح وأجسادهم مقابر وهم المقصودين بعدم السماع فهم موتي حقيقيون .
هذه الروح التي تؤمن وتكفر تطيع وتعصي فهي الأمارة واللوامة والمطمئنة ، هذه الروح لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً موتاً ولا حياة ولا تستطيع أن تأخذ من الخير إلا ما أعطاه لها خالقها ولا تتقي من الشر إلا ما وقاها ، هذه النفس لا تهتدي لشيئ من مصالح دنياها ولا أخراها إلا بهداه ولا تصلح إلا بتوفيقه وإصلاحه إياها ، هذه النفس لا تعلم إلا ما علمها فهو الذي خلقها فسواها وألهمها فجورها وتقواها .
فالإنسان مربوب مقهور مملوك لخلقه تبارك وتعالي وإن ظن أنه خلق سدي فهو واهم وإن ظن أنه بمنأي من الله فهو واهم ، يقول تعالي ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83 ) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) ﴾ الواقعة ، أي فلو لم تكونوا مملوكين مقهورين مربوبين مجازين بأعمالكم تردون الأرواح إلي الأبدان في حال الموت ، هل يستطيع الإنسان أن يدفع عن نفسه الموت ولو كان عنده أموال الأرض وأطباء الكون فلما المكابرة عن عبادته ؟
..............................................................................
ممن ذهب إلي تقدم خلق الروح علي خلق البدن محمد بن نصر المروزي وابن حزم ، وذكر محمد بن نصر من تفسير السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وابن مسعود ومرة الهمداني عن أناس من أصحاب النبي
في قوله تعالي ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ الأعراف172
قالوا أخرج الله آدم من الجنة وقبل أن يهبط من السماء مسح صفحة ظهره اليمني فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ وكهيئة الذر فقال لهم أدخلوا الجنة برحمتي ومسح صفحة ظهره اليسري فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر فقال أدخلوا النار ولا أبالي ، فذلك حيث يقول وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، ثم أخذ منهم الميثاق
﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ﴾ فأعطاه طائفة طائعين وطائفة كارهين علي وجه التقية فقال هو والملائكة
﴿ شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ(172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) ﴾ الأعراف
فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن الله ربه ولا مشرك إلا وهو يقول إنا وجدنا آباءنا علي أمة ، فذلك قوله تعالي ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً﴾ وفي تفسير ابن عيينة قال يوم أخذه الميثاق ، وقوله تعالي ﴿ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ الأنعام149 ، قالوا يوم أخذ الميثاق .
-وفي الحديث ذكر الإمام مالك أن عمر ابن الخطاب سئل عن هذه الآية فقال : سمعت رسول الله يسأل عنها فقال : ﴿ خلق الله آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ، وخلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ﴾ ،
فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل ؟
فقال رسول الله ﴿ إن الله إذا خلق الرجل للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت علي عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله الله بعمل أهل النار حتى يموت علي عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار ﴾
( قال الحاكم هذا حديث علي شرط مسلم )
- وروي الحاكم من طريق هشام ابن سعد عن زيد ابن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً إلي النبي
﴿ لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلي يوم القيامة أمثال الذر ، ثم جعل الله بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور ثم عرضهم علي آدم فقال من هؤلاء يارب ؟ فقال هؤلاء ذريتك ، فرأي رجلاً منهم أعجبه وبيص ما بين عينية ، فقال يارب من هذا ؟ فقال ابنك داوود يكون في آخر الأمم ، قال كم جعلت له من العمر يارب ؟ قال ستين سنة ، قال يارب زده من عمري أربعين سنة ، فقال الحق تبارك وتعالي إذن يكتب ويختم فلا يبدل ، فلما انقضي عمر آدم وجاءه ملك الموت قال أولم يبقي من عمري أربعين سنة ؟ قال أولم تجعلها لابنك داوود ؟ قال فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته وخطئ فخطئت ذريته ﴾ ( قال الحاكم هذا حديث علي شرط مسلم ) ورواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ، ورواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال لما نزلت آية الدَين قال رسول الله ﴿ إن أول من جحد آدم ﴾ ، وزاد محمد ابن سعد ( ثم أكمل الله لآدم ألف سنة ولداود مائة سنة )
- في الآية استخرج الله الذرية من بني آدم ، وفي الحديث مسح الله ظهر آدم واستخرج منه ذريته مما يعني أنه استخرج من كل ذرية ذريتها لأن جميع ذرية آدم ليست من صلبه لكن لما كان الطبق الأول من صلبه ثم الثاني من صلب الأول والثالث من صلب الثاني جاز أن ينسب ذلك كله إلي صلب آدم لأنهم فروعه وهو أصلهم .
-وقال إسحاق : أخبرنا روح ابن عباده حدثنا موسي ابن عبيده الزيدي قال سمعت محمد ابن كعب القرظي يقول في هذه الآية ( وإذ أخذ ربك من بني آدم ....الآية ) الأرواح قبل أن يخلق أجسادها أقروا له بالإيمان والمعرفة .
- وقال حدثنا الفضل بن موسي عبد الملك ابن عطاء في الآية نفسها ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ﴾
قال خرج من صلب آدم حين أخذ منهم الميثاق ثم ردوا في صلبه .
- أخبرنا علي بن الأجلح عن الضحاك قال إن الله أخرج من ظهر آدم يوم خلقه ما يكون إلي قيام الساعة فأخرجهم مثل الذر فقال ألست بربكم قالوا بلي قالت الملائكة شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ثم قبض بيمينه فقال هؤلاء للجنة وقبض أخري فقال هؤلاء في النار .
- وجاء خلق الإنسان خلقاً مستقراً في عالم الشهادة عالم الحس والمادة عالم الدنيا دار الابتلاء والامتحان وإقامة الحجة ، فجاء الخلق المستقر في الدنيا بعد خلق أصلة وهو آدم عليه السلام والذي خلق منه زوجه وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ النساء1 ، وخرجت الذرية بالترتيب الذي أوجده الله في سابق علمه وأظهره لآدم يوم الميثاق ، وهذا دليل انتقال الإنسان من عالم إلي عالم ، من حال إلي حال ، من دار إلي دار ، من عالم الذر إلي عالم الشهادة .
والميثاق والعهد الأول هو ما جعل كل إنسان يعلم أن الله خالقه بالفطرة والغريزة ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ الزخرف87 أي فكيف يصرفون عن التوحيد ، ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ العنكبوت61 ، وإن كابر وأنكر المنكرون لكن هو في حقيقة نفسه يعلم أن الله موجود وأن الإنسان حادث ولابد له من محدث فكل موجود لابد له من موجد إلا الله فهو الموجود الذي أوجد كل شيئ وهو علي كل شيئ قدير .
فالميثاق الأول للأرواح والثاني كان للأنفس حيث يكون الإدراك والوعي كاملين ، والأول هو الفطرة والثاني الحجة ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ الروم30
- وذهب أهل العلم علي أن الميثاق إنما أخذ علي الأرواح دون الأجساد لأن الروح هي التي تعقل وتفهم ولها الثواب وعليها العقاب والأجساد أموات لا تعقل ولا تفهم وكان إسحاق بن راهويه يذهب إلي هذا المعني قال وأجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد استنطقهم وأشهدهم وذكر أنه قول أبي هريرة .
ولم يقم الله الحجة علي عبادة بالميثاق الأول هذا لأن لا يذكر الإنسان ما كان منه في عالم الذر فلا أحد يذكر هذا الميثاق فأرسل الرسل لإقامة الحجة والتذكير بهذا الميثاق ، فإن قال قائل لا يذكر الإنسان الميثاق الأول ولا يحتج الله علي عبادة به ، فهذا صحيح لكن بعد أن ذكر وهو في عالم الشهادة عن طريق الأنبياء والمرسلين يكون لله الحجة البالغة ، فكانت الرسالات والرسل هي ميثاق ثاني يذكر الميثاق الأول وتقوم بهم الحجة .
ولم يحاسب الله الخلق بسابق علمه فيهم ، وإن حاسبهم به ما ظلم أحد ، فهو العدل الذي حرم الظلم علي نفسه وجعله بين الناس محرماً ، فجاء بالناس إلي عالم الشهادة لتقوم عليهم الحجة وإن كان ما في سابق علمه هو الكائن ، فنقل الناس إلي عالم الدنيا وزودهم بالعقل وجعل لهم السمع والبصر وسائل المعرفة والإدراك التي بها يهتدون إليه ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ النحل78 ، زودهم بالأفئدة والتي هي منبع وأصل العلم الصحيح والعقل وأرسل الرسل وكان الميثاق الثاني ميثاق الرسالة قال تعالي : ﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ المائدة7 ، وقال تعالي ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ آل عمران81 .
جعل الله ما أنزله علي الأنبياء من الكتاب والحكمة ميثاقاً أخذه علي أممهم فجعل سبحانه بلوغ الأمم كتبه المنزلة علي رسله حجة عليهم وميثاقاً وهو الذي أخذه عليهم بعد إرسال رسله إليهم بالإيمان به وتصديقه وجعل معرفتهم به إقراراً لهذا الميثاق ، ولعن تبارك وتعالي من نقضه وعاقبه بقوله ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ ، وقد صرح به تبارك وتعالي في قوله ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة63
ولما كانت هذه الآيات في سورة مدنية وهي البقرة خاطب فيها سبحانه وتعالي أهل الكتاب وذكرهم بالميثاق الذي أخذه عليهم بالإيمان به وبرسله ، ولما كانت الآية التي في سورة الأعراف وهي سورة مكية ذكر فيها الميثاق الأول والإشهاد العام لجميع المكلفين ممن أقر بربوبيته ووحدانيته سبحانه ويطلان الشرك وهو ميثاق تقوم به الحجة عليهم وينقطع به عنهم العذر وتحل به العقوبة ويستحق مخالفه العذاب فإن كان نسيه ولم يذكره جاءه الذكري علي لسان أصدق القائلين وخاتم النبيين وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بالربوبية وأنه فاطرهم وخالقهم ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ الأعراف172 ، والله لا يعذب أحداً لم تبلغه الرسالة
قال تعالي ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ الإسراء15 فالناس غافلون بالإخراج من صلب آدم والميثاق الأول لذلك كانت الرسل للتذكير والتبشير والإعذار ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ النساء165 ،
وأخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ هود 117 ، لأن الله لا يقيم حجته علي خلقه إلا بعد إرسال الرسل والتذكير بالميثاق الأول حتي لا يدعي الناس الغفلة ولا يدعي التقليد لغيره في الكفر والشرك .
من ذهب إلي تقدم خلق الأرواح علي خلق الأجساد ( وهو الصحيح ) استدلوا :
بقول الحق تبارك وتعالي :
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾ الأعراف11 قالوا ثم تفيد الترتيب والمهلة وتضمنت الآية أن خلق الذرية
الخميس 7 ديسمبر 2023 - 13:50 من طرف وشـ.الذكريات.ـاح
» وتمضي الأيام
السبت 18 أبريل 2020 - 18:31 من طرف اجمل ملاك
» •» ح‘ـيـآتِي مثلِـ [ آلقهوهـ ] ع قـد مـِآهي مرهـِ آلآ آن فيهـِآ حِلآوهـ «•
الأربعاء 26 فبراير 2020 - 4:11 من طرف وشـ.الذكريات.ـاح
» لماذا عُرج برسول الله من المسجد الأقصى ولم يُعرج به من المسجد الحرام
الثلاثاء 15 مارس 2016 - 21:02 من طرف لحظة عشق
» روايتي الثانية : خطفتي قلبي - بويات وليديات
الثلاثاء 15 مارس 2016 - 13:34 من طرف booya abood
» فززززززززززعتكممم ادخلووو بسرعه
الأحد 13 مارس 2016 - 13:58 من طرف shadi.tu
» الي يعرففف ب تويتر يدخلللللل بسرررعه محتاجتك
الأحد 13 مارس 2016 - 13:55 من طرف shadi.tu
» هلا وغلااااا
الأحد 13 مارس 2016 - 13:55 من طرف shadi.tu
» روايه صداقه هذا الزمن و رحيل الغالي
الأحد 13 مارس 2016 - 13:54 من طرف shadi.tu